قوانين و حماية

أبو حدّو الّذي يعرف النمسا

في اليوم الأول الّذي ستأتي فيه إلى فيينا لا بد أن تلتقي بأبو حدّو , الشخص الذي يعرف كل شيئ , ويستطيع أن يحلّ كل شيئ ببساطة , كونه لا يُتقن الألمانية .
عدم إتقان الألمانية يكون مفيداً جدا ( من منظور أبو حدّو ) , فهو يدفعك إلى التهرب دائماً من الأعمال التي يعرضها عليك مكتب العمل , أو يجعلك تتفادى كل الانتقادات الموجهة إليك من النمساويين أنفسهم , ببساطة أنّك لا تفهم شيئ ولا تريد أن تفهم ماذا يجري من حولك , مالذي يقوله الساسة وما الّذي يسعون إلى سنّه , في أسوأ الأحوال ستقوم بتغيير المقاطعة الّتي تقطن فيها إلى أُخرى تدفع لك معونة أكبر .
بعيداً عن كون التعلّم صعباً على الكثيرين وأنّ الألمانية بطبيعتها لغة عصيّة على التعلّم إلا أن انتهاج التغابن في الكورسات والامتحانات والرغبة بالرسوب عن قصد لكسب وقت أكبر في المعونة الاجتماعية , أمر يدعو إلى المراجعة .
أبو حدّو الّذي قابلناه جميعاً حدّثني عنه أحد الشباب الّذين التقيتهم في كورس الاندماج , الشاب العشريني ولاعب كرة القدم قال لي أنّ مستوى اللغة الطبيعي لديه متقدّم , لكن وبعد حصوله على الإقامة وأثناء فحص تحديد المستوى التقى بأبو حدّو الّذي أقنعه أن عدم اهتمامه باللغة سيلغي اهتمام مكتب العمل به , سيأخذ بالتالي معونات أكثر , دخَل الشاب ولم يكتب شيئ لدرجة أنه بدء مستوى تعليم الأحرف , قال لي بعدها أنّه فقد عرضاً مع فريق محلّي بسبب لغته التي تراجعت بدل أن تتقدم .
قد يكون أبو حدّوا مثقفاً وحاملاً لشهادة جامعية , إلا أنّه يرغب بالتمهل في اللّغة , لا يريد الإستعجال في تعلم رسم الأحرف والكلمات الأساسية , وقد يتطلب ذلك منه عدّة أشهر أو سنوات في الوقت الّذي يحلم بأن يكون موظفاً لدى الكاريتاس أو الصليب الأحمر , أبو حدّوا شخصية مركبّة عصيّة على فهم البراغماتيين أنفسهم , فهو المتقن للّغة أمام الشقراوات والجاهل لها أمام لقاءات العمل والسير الذاتية .
في المُطلق يأخذ اللاجئون والحاصلون على الاقامات في النمسا مساعداتهم الإجتماعية ( لا الرواتب ) من أموال دافعي الضرائب النمساويين , هذه الأموال كانت ستتوجه إلى البنية التحتية والمدارس والبحث العلمي والرفاهية العامة لولا أنّ اللاجئين قاموا بتخفيضها , لذلك عليك أن تشعر ببعض الامتنان أو الرغبة بأن كون مانحاً على الأقل .
التقيتُ بأبو حدّو آخر أثناء مراجعتي الأخيرة لمكتب العمل , خرج غاضباً من فرصة العمل التي عرضتها عليه الموظفة وهو يتمتم ويلعن ” تلك الساعة التّي أحضروه فيها إلى النمسا ” , أخبرني أنّه كان مدرّساً في سوريا , والآن يعرضون عليه عملاً في مجال البناء , يريد أبو حدّوا أن يعمل في التدريس وهو الّذي أمضى أكثر من 3 سنوات ولم يتخطى مستوى اللغة المتوسط بعد , لا يعرف أبو حدّوا أن الكثير من خريجي الجامعات في النمسا يعملون بأعمال يدوية وحرّة في سنوات التخرّج الأولى وأن الحصول على فرصة يطلبها هي حلم بذات الوقت للكثير من المواطنين والأجانب المتقنين للألمانية , لغتهم الأم .
عن العمل والتهرب منه , بإمكاننا الكتابة كثيراً , لكن السؤال الأهم : هل مبلغ المساعدة الاجتماعية كافٍ لتتهرب من العمل ؟ هل تعلم ما الّذي يحصل عليه العاملون في أوروبا من امتيازات ورواتب وحوافز ؟
أبو حدّو هذا ليس شخصاً بعينه , لا أعلم ما اسمه الحقيقي , ولكنّنا جميعاً التقينا به يوماً , رجاءاً لا تأخذوا بنصائحه إن لم تريدوا نُصحه على الأقل .
خالد علّوش .

مقالات ذات صلة