أخبار أوروبا

ألمانيا تبحث عن روابط مشتركة بين انقلابيي “مواطنوا الرايخ” وحزب “البديل” اليميني الشعبوي

“ثمة حقيقة مفادها أن حزب البديل من أجل ألمانيا أصبح منذ فترة طويلة بمثابة الذراع البرلماني للحركات المناهضة للديمقراطية”، بهذه العبارة غردت كاتيا ماست، البرلمانية والسياسية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على موقع تويتر في أعقاب القبض على العشرات من حركة “مواطني الرايخ” اليمينية المتطرفة بتهمة محاولة الإطاحة بمؤسسات الدولة في السابع من ديسمبر / كانون الأول الجاري.

وقد أثارت المداهمات الأمنية التي قامت بها الشرطة الألمانية تساؤلات حيال مدى ارتباط حركة “مواطني الرايخ” بحزب ” البديل من أجل ألمانيا ” اليميني الشعبوي خاصة وأن من بين المعتقلين الـ 25 بيرجيت مالساك-فينكمان القاضية والنائبة السابقة في حزب “البديل”.

يشار إلى أن مالساك-فينكمان كانت عضوة في البرلمان الألماني ما بين عامي 2017 و2021 وكان بمقدورها ـ بسبب طبيعة عملها ـ الوصول إلى مجمع المباني البرلمانية في برلين فضلا عن معرفة الترتيبات الأمنية في هذه المنشآت ذات الحساسية الكبيرة.

النائبة السابقة في حزب "البديل" بيرجيت مالساك-فينكمان التي يفترض أنها كانت ستشغل وزارة العدل في "الدولة الجديدة"
النائبة السابقة في حزب “البديل” بيرجيت مالساك-فينكمان التي يفترض أنها كانت ستشغل وزارة العدل في “الدولة الجديدة”

وتعيد واقعة السابع من ديسمبر / كانون الأول إلى الأذهان ما وقع عام 2020 عندما تمكن محتجون غاضبون ضد القيود المفروضة لمكافحة جائحة كورونا من اقتحام درجات مبنى البرلمان خلال المظاهرة. وأفادت الأنباء في حينه أن المتظاهرين تمكنوا من اجتياز مبنى البوندستاغ بعد حصولهم على تصاريح زوار من نواب ينتمون إلى حزب “البديل من أجل ألمانيا.”

وكانت محكمة ألمانية قد اتهمت في يناير / كانون الثاني الماضي نائبا سابقا من حزب “البديل” اليميني الشعبوي بالدعوة إلى الإطاحة بالدولة بعد رصده بين المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام مبنى البرلمان عام 2020 خلال الاحتجاجات ضد قيود كورونا.

من جانبه، دعا كونستانتين كوهلي، نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر “الليبرالي” ، إلى مراجعة تصاريح الدخول إلى مبنى البرلمان الممنوحة للأعضاء السابقين في البرلمان عن حزب “البديل”.

شخصية مثيرة للجدل

وفيما يتعلق بمالساك-فينكمان، فكان يُخطط لأن تصبح وزيرة للعدل في ” الدولة الجديدة ” التي كانت حركة “مواطني الرايخ” تدبر لتأسيسها بزعامة الأمير هاينريش الثالث عشر وذلك بعد الإطاحة بالدولة الألمانية.

وقد جرى إزالة اسم مالساك-فينكمان من موقع حزب “البديل” على الإنترنت عقب اعتقالها.

يشار إلى أن العملية الأمنية التي نُفذت الأسبوع الماضي تحت كود “عملية الظلال” تعد واحدة من أكبر العمليات الأمنية في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية. ورغم ذلك، لم تثر العملية ردود فعل كبيرة من قائدي حزب “البديل” الحاليين أليس فيديل وتينو تشروبالا.

ففي بيان مشترك مقتضب، قالا “ندين مثل هذه المساعي ونرفضها بشدة ولدينا ثقة كاملة في السلطات المعنية”، فيما لم يحمل البيان أي إشارة إلى مالساك-فينكمان التي نالت في السابق إشادة من أليس فيديل حيث اعتبرتها “سياسية عظيمة”.

رئيسا حزب "البديل" الحاليين أليس فيديل وتينو تشروبالا
رئيسا حزب “البديل” الحاليين أليس فيديل وتينو تشروبالا

سياسي بارز في “البديل” يشكك في نوايا السلطات

وجاء البيان في تناقض صارخ مع المناقشات الساخنة على منتديات الدردشة التابعة للحزب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث امتلأت بمزاعم لا تستند على حقائق تزعم أن المداهمة الأمنية لم تكن سوى مجرد “حيلة علاقات عامة” دبرتها الأجهزة الأمنية.

فعلى مقطع مصور بُث على موقع الفيسبوك، اتهم السياسي التابع لحزب “البديل”، هانز توماس تيل شنايدر، السلطات بمحاولة “استحضار” جماعة إرهابية ذات صلة بحركة “مواطني الرايخ” من أجل “تشتيت انتباه المواطنين” بعيدا عن متابعة هجوم بسكين تعرضت له طالبتين في مدرسة بمدينة إيليركيرشبرغ فيما يشتبه بان الجاني كان طالب لجوء.

يشار إلى أن تيلشنيدر هو عضو في برلمان ولاية ساكسونيا أنهالت ويخضع لمراقبة من قبل مكتب هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية).

ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل خرج جورج بازرسكي، وهو سياسي في برلين عن حزب “البديل”، ليغرد بأن المداهمات “جرى تنظيمها ببراعة وبطريقة سينمائية رائعة” فيما تمكنت وزارة الداخلية نانسي فيسر “من إبعاد جريمة إيليركيرشبرغ الدامية عن عناوين الأخبار الرئيسية”، على حد زعمه.

وفي سياق مماثل، غرد النائب في البرلمان الألماني عن حزب “البديل، بيتر بيسترون، قائلا: “انقلاب يقوم به 50 متقاعدا؟ لن يكون بمقدورهم حتى السيطرة على بلدية سان مارينو! لقد أصبحت جهود تلفيق تهديد يكون مصدره اليمين سخيفة بشكل متزايد”.

يشار إلى أن سان مارينو هي ثالث أصغر دولة فى أوروبا بعد الفاتيكان وموناكو.

روابط محتملة بين “البديل” و “موطني الرايخ”

الجدير بالذكر أنه ما زال هناك نقاش في ألمانيا حيال مدى واقعية التهديد الذي شكله المشتبه بهم بتدبير الانقلاب.

وجرى تقدير عدد أفراد حركة “مواطني الرايخ”بنحو 23 ألف شخص فيما جرى تصنيف 10 بالمائة منهم على أنهم “متطرفون موجهين نحو العنف”.

وما يثير القلق بشكل خاص، هو أن تحقيقات المدعي العام الاتحادي تشمل ضابطا في القوات الخاصة في الجيش الألماني والعديد من جنود الاحتياط، ونائبة سابقة في البرلمان الاتحادي عن حزب البديل اليميني الشعبوي، أيضا بين المشتبه بهم.

وبالإضافة إلى ذلك هناك شرطي سابق، كان مسؤولا عن أمن الجالية اليهودية في ولاية ساكسونيا السفلى قبل تسريحه.

يشار إلى أنه في عام 2016، قتل عنصر بالحركة ضابط شرطة خلال مداهمة نفذتها القوات الأمنية من أجل مصادرة ترسانة تضم أكثر من 30 سلاحا ناريا عمل العضو على تخزينها بشكل غير قانوني.

وخلال جائحة كورونا، حذر خبراء في نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة من روابط محتملة بين “مواطني الرايخ” وحركة “التفكير الجانبي” وحزب “البديل”.

وقد أشار رئيس “مكتب حماية الدستور” في ولاية تورينغن بشرق ألمانيا، ستيفان كرامر، إلى أنه جرى رصد أعضاء من حركة “مواطني الرايخ مع أعضاء من حزب “البديل” ومتطرفين يمنيين في مظاهرات مختلفة.

وأضاف أنه من اللافت أن أعضاء في حزب “البديل” رددوا “بشكل صارخ عبارات يستخدمها أعضاء موطني الرايخ “.

هل تتجه دفة “البديل” أكثر صوب اليمين؟

وإزاء ذلك، تزايدت الدعوات إلى زيادة مراقبة حزب “البديل” من قبل “مكتب حماية الدستور” فيما قال رئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس سودر، الذي ينتمي إلى الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، إن هناك “تشابكا وثيقا” بين حزب “البديل” ومشهد حركة “مواطني الرايخ”.

وفي ذلك، قال إن “الأمر يتطور بشكل متزايد إلى نقطة تجمع على وجه التحديد القوى اليمينية المتطرفة وكأن الأمر أصبح بمثابة نقطة جذب”.

من جانبه، قال لارس كلينجبيل، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، إن حزب” البديل” مدرج بالكامل على قائمة المراقبة الخاصة بمكتب حماية الدستور وليس في البرلمانات أو المحاكم أو الخدمة المدنية”.

يشار إلى أن لجنة أوشفيتز الدولية دعت أيضا إلى زيادة مراقبة حزب “البديل” في البوندستاغ عقب المداهمات الأمنية الأخيرة.

وقال كريستوف هوبنر، نائب رئيس اللجنة، إن الأمر “يبدو غريبا ويثير السخرية إذ كيف يحاول حزب البديل من أجل ألمانيا هذه الأيام الخروج من بوتقة دعمه وتحريضه لبيئة مواطني الرايخ على مدى سنوات”.

وعقب المداهمات الأمنية، طالب بيورن هوكه، رئيس حزب “البديل” في ولاية تورينغن، والذي يعد أحد أبرز رموز التيار المتطرف في الحزب، أعضاء الحزب بمغادرة منتديات الدردشة، حيث يدور النقاش حيال عدم فعالية الاحتجاج السلمي والحاجة إلى “اللجوء إلى وسائل أخرى”.

وعلى وقع ذلك، يرى مراقبون أن هذا الأمر يشير إلى بواعث القلق تجاه حزب “البديل” في الوقت الحالي حقيقية.

هيلين ويتل/ م.ع.

مقالات ذات صلة