الهجرة واللجوء

بلجيكا: اللاجئون ينامون في الشوارع، واليمين المتطرف يدعو للحرب ضد “غزو المهاجرين”

تشهد بلجيكا أزمة لجوء كبيرة بعد أن وصلت أرقام اللجوء إلى مستويات قياسية إثر توجه الآلاف من طالبي اللجوء الذين يشكل السوريون عددا كبيرا منهم إليها، في حين انتقدت منظمات إنسانية بلجيكية الحكومة داعين إياها لاستقبالهم كما استقبلت اللاجئين الأوكرانيين.

ووصل خلال الأشهر الماضية الآلاف من طالبي اللجوء خصوصاً من سوريا وأفغانستان ودول أخرى، وتظهر الأرقام التي نشرها موقع المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في بلجيكا أن 22 ألفا وستمئة وسبعة وعشرين شخصا تقدموا بطلبات لجوء في بلجيكا منذ بداية العام الجاري.

وحلت الجنسية السورية في المرتبة الثانية بعد الجنسية الأفغانية في حين حلت الجنسية الفلسطينية في المرتبة الثالثة من حيث عدد طالبي اللجوء في عام 2022، بحسب ما نشرت المفوضية على موقعها الإلكتروني.

وسجلت المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في شهر آب الماضي 3529 طالباً للحصول على الحماية الدولية، وتصدرت أفغانستان وسوريا قائمة البلدان العشرة الأولى من حيث منشأ المتقدمين للحصول على الحماية الدولية في شهر آب 2022.

لماذا أصبحت بلجيكا “وجهة مفضلة”؟
ومؤخراً، أصبحت بلجيكا وجهة مفضلة لطالبي اللجوء بعد سماعهم بأخبار اكتظاظ مراكز الإيواء في هولندا باللاجئين إلى حد نوم بعضهم لليالٍ في الخيم وعلى الكراسي في مركز تسجيل طلبات اللجوء في تير أبل.

كما ساهم بجعل بلجيكا وجهة مفضلة أيضاً تغير بعض القوانين لا سيما إجراءات اللجوء ولم الشمل في هولندا التي باتت أطول مما كانت عليه قبل أشهر.

وتشهد هولندا منذ أشهر أزمة لجوء كبيرة دفعت الحكومة لتعديل بعض قوانين لم الشمل حيث بات لم الشمل مرتبطا بحصول اللاجئ على مسكن كما أن فترة الحصول على الإقامة قد تصل إلى 15 شهراً.

قلة أماكن وتراكم بطلبات اللجوء
ولا تكمن المشكلة فقط في قلة عدد الأماكن المهيئة لاستقبال طالبي اللجوء، حيث أن النظام يعاني بسبب عدم معالجة طلبات اللجوء بالسرعة الكافية.

وتكافح المفوضية مع “تراكم كبير” لأكثر من 12000 ملف، وتقول المتحدثة باسم وزيرة اللجوء نيكول دي مور إن هذا التراكم هو “إرث كورونا وسوق العمل الضيق”.

وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام فإن السكان المحليين يشكون من طالبي اللجوء الذين يقضون حاجتهم في الشارع ويسببون الإزعاج، لذلك قامت البلدية في بروكسل مؤخراً بتشكيل فريق شرطة لمنع طالبي اللجوء من النوم في الشارع.

وينتقل طالبو اللجوء كل فترة إلى أماكن أخرى، لكن المشكلة لا تزال قائمة، كما يقول توماس ويليكنز من منظمة مساعدة اللاجئين في بلجيكا “المشكلة هي نفسها الموجودة في هولندا. هناك عدد قليل جداً من الملاجئ، لذلك لا يزال الناس مضطرين للنوم في الشارع”.

المرصد الأورومتوسطي: طالبو اللجوء في بلجيكا يبيتون بالشوارع
وتصف رييت دونت من منظمة “الصداقة بلا حدود” التطوعية، الوضع في بروكسل في الأشهر الأخيرة بالمؤسف “كل صباح ينمو طابور اللاجئين عند مدخل مركز تسجيل طلبات اللجوء”.

وتقول دونت: “هناك رعاية نهارية للصليب الأحمر”، وتتابع قائلة: “لكن هناك نقص كبير في الصرف الصحي (..) طالبو اللجوء يتغوطون في المقاهي أو الحدائق المجاورة.. وبعضهم لم يستحم منذ أسابيع، وهو ما يسبب أيضاً مشكلات صحية مثل الجرب”.

وتعتقد دونت أيضاً أن البلجيكيين ينظرون إلى طالبي اللجوء بشكل سلبي للغاية، وتحاول دونت مع منظمتها تغيير تلك الصورة السلبية حيث تزور المدارس وتعقد جلسات إعلامية مع الشباب وأحياناً تأخذهم إلى مراكز الاستقبال.

ووفقاً لوليكنز، فإن سبب الأزمة الحالية يتطابق أيضاً مع الوضع بهولندا حيث إنه بعد ذروة اللجوء في عام 2015 تم إلغاء وإغلاق مراكز اللجوء في بلجيكا بسرعة.

كما أنه مثلما هو الحال في هولندا، هناك مشكلات في إيجاد منازل للاجئين ونتيجة لذلك يستمرون في العيش في مراكز الإيواء، ويقول ويليكنز: “المشكلة مطابقة للوضع الهولندي”.

احتجاج على سياسة الحكومة
إلى ذلك احتج بعض الناشطين المتضامنين مع طالبي اللجوء على سياسة الحكومة في بروكسل للتنديد بالاستقبال غير الإنساني لطالبي اللجوء.

وقام الناشطون ببناء مخيم رمزي للاجئين به خيام من “الورق المقوى” في إحدى حدائق بروكسل، في إشارة إلى مخيم اللاجئين الذي تم إنشاؤه في عام 2015 في ماكسيميليان بارك.

وقال الناشطون “إذا لم تتصرف الحكومة الفيدرالية بسرعة وتفي بالتزاماتها لاستقبال جميع طالبي اللجوء، فسنقيم مثل هذه المخيمات مرة أخرى (..) هذا غير مقبول”.

وتقول الناشطة في دعم اللاجئين أدريانا كوستا سانتوس “هؤلاء الناس مجبرون على العيش في الشوارع في ظروف غير صحية وغير إنسانية لأن الحكومة الفيدرالية لا تقوم بعملها.. هذه ليست أزمة لاجئين، إنها أزمة استقبال”.

وأضافت “لقد سبق أن دانت محكمة بروكسل الابتدائية الدولة البلجيكية لعدم احترامها حقوق اللاجئين (..) على الرغم من هذه الإدانات المتعددة فإن الحكومة ترفض أداء واجباتها”.

وبحسب الناشطين، فإن مشكلات استقبال طالبي اللجوء ليست جديدة ويقول الناشط البلجيكي أليكسيس دسويف “نرى عاماً بعد عام نفس المشكلات تظهر،. ننتقل من أزمة إلى أخرى”.

ويضيف “حتى بالنسبة لرئيس محكمة بروكسل، الأمر واضح: هذه سياسة متعمدة لجعل بلدنا أقل جاذبية للاجئين، حتى لا يأتوا إلى بلجيكا، بل إلى البلدان المحيطة بنا.. هذا غير مقبول”.

بدورها، اختتمت أدريانا كوستا سانتوس بالقول: “عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، دعت الحكومة إلى التضامن لاستقبال هؤلاء اللاجئين، نطلب فقط أن ينطبق نفس التضامن على جميع اللاجئين!؟”.

خطة لحل الأزمة
وقبل أيام، قدمت خمسون منظمة إنسانية أبرزها منظمة مساعدة اللاجئين وأطباء بلا حدود وأطباء العالم خطة “خطوة بخطوة” مع تدابير ملموسة للخروج من أزمة اللجوء، حيث ترى المنظمات أن السلطات غير قادرة على حل الأزمة “لذلك يريدون مد يد العون لهم بطريقة بناءة”.

وأشارت المنظمات إلى أن الدولة البلجيكية ووكالة إيواء اللاجئين لا تفيان بالتزاماتهما في مجال استقبال طالبي اللجوء، وقد سبق إدانتهم بذلك، وتحتوي الوثيقة التي يقترحونها على تدابير قابلة للتنفيذ على الفور في مجال الاستقبال وتسريع الإجراءات.

وتقول المنظمات في الوثيقة إنه صحيح أنه تم تأمين آلاف الأماكن لطالبي اللجوء مؤخراً لكن كل يوم ينام أشخاص في الشارع، داعية إلى تأمين “أماكن إضافية على سبيل المثال كالمواقع الخاصة باللاجئين الأوكرانيين “التي ليست ممتلئة”.

وتريد منظمات الإغاثة أيضاً إتاحة الفنادق أو منتجعات العطلات الشاغرة لطالبي اللجوء.

وتشير المنظمات إلى أنه “مع اقتراب فصل الشتاء نخشى أن يزداد الوضع سوءاً فإن العائلات والقصر يُهددون أيضاً بأن ينتهي بهم الأمر في الشارع”، مشيرين إلى أن “الاستمرار في العمل على تسريع الإجراءات أمر لا بد منه”.

وأضافت المنظمات بأنها تطلب تسهيل طلب اللجوء مع إعطاء الأولوية لمعالجة طلبات طالبي اللجوء الذين لديهم فرص كبيرة في الحصول على الإقامة في البلاد، وقال ديفيد فوجل من منظمة أطباء بلا حدود “نريد تسريع إجراءاتهم في غضون 12 أسبوعاً”.

اليمين يدعو للحرب ضد “غزو المهاجرين”!
بدوره، يقول عضو البرلمان البلجيكي دريس فان لانجينهوف عن حزب اليمين المتطرف “فلامس بيلانج” إن أرقام اللجوء وصلت إلى أرقام قياسية “هذا واضح من الأرقام الجديدة الصادرة عن المفوض العام لشؤون اللاجئين وعديمي الجنسية”.

وأضاف المسؤول البلجيكي “إذا واصلت وزيرة الدولة لشؤون اللجوء والهجرة نيكول دي مور سياستها بهذه الطريقة، فسيتعين على بلجيكا معالجة 33000 طلب لجوء على الأقل في عام 2022”.

وتُظهر الأرقام التي استطاع فان لانغنهوف الرجوع إليها أن ما يسمى بـ “موسم اللجوء” يسير بأقصى سرعة.

ويقول فان لانغنهوف: “وصل في شهر يوليو 2022 ما لا يقل عن 3047 طلب لجوء، بينما كان شهر يونيو بالفعل شهراً قياسياً مع 2945 طلب لجوء”.

وهذا يعني أنه تم تقديم ما يقرب من 100 طلب لجوء يومياً في يوليو، من الواضح أن بلجيكا تتجه مرة أخرى إلى أزمة لجوء مشابهة لأزمة عام 2015، بحسب النائب البلجيكي.

ويضيف فان لانجينهوف: “شهراً بعد شهر (..) يزداد الأمر سوءاً”، يتابع “لقد حان الوقت لكي تستيقظ الحكومة من سباتها!”.

ويضيف النائب اليميني “لقد حان الوقت لأن تبدأ بلجيكا – وبالتالي الاتحاد الأوروبي – الحرب ضد غزو المهاجرين غير الشرعيين”، مشيراً إلى أن “أي شخص يدخل هذا البلد بشكل غير قانوني لا ينبغي أن يكون له الحق في البقاء في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج حدودنا الخارجية الأوروبية أيضاً إلى الحماية المادية، على سبيل المثال من خلال بناء الجدران والأسوار الحدودية.. أخيراً، يجب استقبال اللاجئين بشكل أساسي في منطقتهم!”.

هولندا – أحمد محمود، تلفزيون سوريا.

مقالات ذات صلة