مقال رأي

أنا وأطفالي في زمن الكورونا

كتبت للنمسا نت: حكمت حنا.

منذ فترات بعيدة وقبل بدء أزمة  كورونا هجرت القلم ولم يعد هناك جلسات فردية هادئة  اخلو فيها بذاتي مثلما كنت في السابق,  كنت اخشى نسياني الكتابة, المنفذ الوحيد لانطلاق الفكر من قيود الروتين اليومي القاتل  واخذ استراحة قصيرة من التعايش مع عقول ظلامية تفسد حياتك اينما تواجدت.

اعتقدت ان فترة الحظر الملزمة للتواجد بالبيت تجنبا للاصابة بالفيروس القاتل ستكون فرصة سانحة لتحقيق رغبات الذات المقهورة منذ اعوام بسبب ضغوط الحياة والمسؤلية الاسرية فضلا عن الانشغال بتربية الاطفال, بداية من التفرغ للكتابة والتخطيط لمشروعات مستقبلية ومرورا  بمشاركة اطفالي في  الواجبات المدرسية  و انشطة رياضية وذهنية وانتهاء ببرامج ترفيهية.

 ربما تبدو الافكار المكتوبة على ورق جيدة وقابلة للتطبيق السليم لكن الواقع يأتي باشياء اخرى قد تصدمك نتائجها, فاليوم يبدء بفقرات قتالية استيقظ عليها كل صباح  لتنخلع روحي الغارقة في النوم من جسدي الواهن وقبل ان تلمس قدمي الارض  محاولة البحث عن حذاء ترتديه اركض هالعة  لفض الاشتباك بينهم… يشكو كل طرف الاخر باصوات لا يقوى جهاز الاستقبال  لدي على فك رمزها او استيعابها لكن عليك التلفظ باية عبارات للتهدئة حتى وان لم يستوعبوا ما تمتمه غير واعيا من اثار الموت الجزئي (النوم) الذي لم تستطع الوصول لذروته.

تفاصيل اليوم وأحداثه لا تختلف كثيراً عن بدايته رغم من اجراء اتفاقات للتهدئة ومحاولة التحفيز في اتجاه السلوك المهذب للحصول على هدايا ومفاجأت غير متوقعة لكنها تضرب بعرض الحائط عند اول اشتباك.

زوجي الذي اعتبره  البطل الحقيقي في معركة مكافحة الملل الناجم عن البقاء بالمنزل بسبب الكورونا يبتكر كل ما هو جديد من افكار وانشطة تربوية لكن اطفالنا يرونها بمنظور اخر لا يرضي توقعاتهم ويبدء سقف المطالب في الارتفاع بشكل لا يتوافق مع امكانيات الحياة فقد يشطح بهم الخيال لطلب جهاز محمول جديد مقابل الامتثال للوسائل التربوية.

فكلما ارى عينيه تشع بالحماس والطاقة الايجابية للعب معهم واستغلال طاقتهم في اعمال يدوية مفيدة اعاتب نفسي على ضيق صدري ونفاذ طاقتي  التي لم تعد تحتمل نتيجة تحديات الغربة ومتطلبات الحياة  للدرجة التي تجعلني احسده على  قدرته على التعامل معهم ولم يلبث الامر طويلا حتى اسمع وصلات عاليه من الغضب وتعلن عيناه الإخفاق فتتهلل اساريري.

دعوات المشاركة في التحضير الطعام لا تتوقف في محاولة لألهائهم عن انشطتهم التخريبية وتصبح درجة تلبية الدعوة مرهونة بالحالة المزاجية للأثنين بين القبول والرفض .

الامر يشمل جلسات الطعام التي لا تخلو من المشادات الكلامية ومحاولة اصطناع مشاكل حتى تفقد لذة الاستمتاع بالطعام وتنشغل في الحديث عن  ادبيات واصول الطعام واحترامه ويتجدد الامر يوميا دون جدوى.

وقت عمل الواجبات المدرسية نتقاسمه انا وزوجي ليبقى كلا منا مع احداهما وعند التنفيذ تبدء محاولات التظاهر بالاعياء اوابداء  الشعور بالملل أو الرغبة في التأجيل للغد  حتى ينفذ مخزون طاقتك الذهنية والجسدية بين محاولات الاقناع وردود الافعال المضادة
اوقات الترفيه التي يسعد بها اطفالي  لا تخرج عن كونها حرب شوارع  اطرافها ساحة غرفة المعيشة  لتتطاير السيارات الحديدية فوق رأسك وتتقاذف الالعاب المعدنية  التي تفترش كل بقعة بالمنزل لتصطدم قدمك بقطع معدنية تكاد ان تفتك اجزائه المتعبة من اثار اليوم الذي لا ينتهي.

قدرات التركيز ومحاولة استجماع ما تبقى من اثاره ربما لا تسعفك في البحث عن وقت تشعر فيه باسترداد جزء من  حريتك او حتى استرجاع ذكريات من الماضي  بقراءة رواية انا كارنينا لتولستوي او مائة عام من العزلة لماركيز او مقتطفات من الادب الانجيليز لتشالز ديكنز وروايته  ديفيد كوبيرفيلد التي كلما اقراها اشعر بمعاناة المؤلف في كل سطورها   لتهون علي شقاء تحمل لقب الامومة.

فكلما حاولت البحث عن مفرادات السعادة النفسية بقراءة مقال تحليلي لمواكبة الحياة السياسية  بعد انقطاع ذهني عنها  او مشاهدة فيلم كلاسيكي يعود لفترة الاربعينيات حيث الزمن الجميل او حتى ممارسة رياضة على انغام موسيقى غربية ارتبط جسدك المثقل بالتعب بها منذ الطفولة يأخذك  صياحهم من احلام لم تنضج بعد لتعود مجددا  لدورك المعتاد بالتدخل السريع  منعا للتشابك بالايدي على دمية صغيرة او اختفاء غير مقصود لاجزاء من الليجو, تلك اللعبة التي عانت قدماي من اثارها المحفورة بها كلما تقدمت بخطوة في ساحة المنزل.

 طقوس التأهب للنوم تصبح مسؤولية زوجي المثابر لقدرته على رواية قصص خيالية تحمله مسؤولية الرد على عشرات الاسئلة الخارقة لقوانين  الطبيعة والوجود للدرجة التي تجعلني اتعاطف معه   وانا استرق لحظات لأعادة ترتيب ما تم تدميره على مدار اليوم على انغام صوت فيروز  ليخرج الى بعدها مثل المحارب الذي انهكته المعركة.

ويبدء كلا منا بقوة خائرة في تحقيق جزء من ضالته المنشودة بمشاهدة فيلم عربي قديم تنسيك احداثه ما فعله بك اطفالك طيلة يوما كاملا مع التهام قطع الشيكولاته السويسرية ضاربا بقوانين الدايت عرض الحائط في سبيل اسعاد الذات التي تنعم بمذاق الكاكاو.

ورغم ذلك تكفيني نظرة واحدة لوجههم فضحكتهم تفقدني اساساتي, فيهم ارى كمالي وشخصي الذي افتقده, برائتهم تجعلني استرق النظراليهم اثناء نومهم عند افتقاد شهوة الأمومة غيابهم.