مقال رأي

التحليلات السياسية ونظرية المؤامرة, بين التصديق والنفي.

كيف نقوم بمعاداة نظرية المؤامرة وتوظيف نفس النظرية في تحليل الأمور السياسية والقضايا المجتمعية.

كتب للنمسا نت حكمت حنّا.

يميل البعض للتحليل القائل بأن فيروس كورونا، الذي تحول الى جائحة، خدعة وانه لا يعدو سوى سلاح بيولوجي تستخدمه بكين لتحقيق أهداف اقتصادية عالمية، ولم يسلم النظام الأمريكي من تلك التحليلات السياسية التي حملته مسؤولية انتشار الفيروس؛ لاستمرار ترامب في حكمه للولايات المتحدة الامريكية، بحسب ما أشار بعض المحللون دون ابداء اي تبريرات منطقية تستند عليها تلك التحليلات بالتناقض مع المفهوم العلمي للتحليل السياسي، الذي يعرف بأنه البحث في الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات بين القوى السياسية في المجتمع، وإيجاد تفسير علمي واضح يتوقع العلاقات بين هذه القوى السياسية الداخلية والخارجية، ويعتمد التحليل السياسي على الفهم الدقيق لمجريات الأحداث، وفهم الاسباب التي ادت لحدوثها؛ ذلك لمحاولة الوصول لتفسير منطقي لما حدث دون وضع اعتبارات شخصية تؤثر على مضمون التحليل.

بالنظر الى واقع التحليلات السياسية لتلك الجائحة فهي لا تستند على اية تفسيرات علمية، لتصبح تلك التحليلات مجرد أقوال لا سند لها من الصحة، سوى انها مجرد تفسيرات لأصحابها، تحدث بلبلة، وزيادة تشويش الرؤية؛ لمحاولة التأثير على أفكار المجتمع وتوجيهها الي رؤية صاحب التحليل، وتصويرها على أنها حقيقة يجب تصديقها.

وبنفس الوتيرة فسر بعض المحللون تأخر بعض الدول الاوروبية في الإعلان عن علاج فيروس كورونا إنه غير مبرر، وان اللقاح موجود لكن يتم التستر عليه، على اثره قام معهد بوينتر بتقصي الموضوع ولم يجد أي مصدر موثوق يؤكد وجود لقاح مسبق للفيروس تتستر عليه الحكومات، ما يجعلنا نرى تأثير التحليلات السياسية لكورونا على المجتمع والأخذ بها كحقائق دون تقصي المعلومات. الإعلام ساهم أيضا في عملية التضليل الفكري والمعلوماتي بنشر اخبار تسير في اتجاه الاتهامات الدولية بالتسبب في جائحة كورونا. في الإعلام الغربي متمثلا في قناة فوكس نيوز وديلي ميلي أطلقوا تصريحات متضاربة عن وجود مختبرات في الصين تسببت في حدوث الفيروس، بشكل تم تفسيره عن ان الصين مسؤولة عن ظهور الفيروس وتطويره، ليصبح الأمر مجرد حملة إعلامية امريكية ضد بكين، في المقابل اتهمت بعض المواقع الصينية الولايات المتحدة الامريكية بالأمر ذاته، خروجا عن الهدف الرئيسي بالبحث في طرق علاج الفيروس، الذي اعجز انظمة الصحة العالمية عن إيجاد حل له.

في نقد نظرية المؤامرة
Suh Myung-geon/ Yonhap via AP

الملفت للانتباه في تلك الأزمة ان المجتمع العربي يميل دائما إلى توظيف نظرية المؤامرة في التحليلات السياسية التي تفسر الظواهر العامة والاحداث السياسية والكوارث العالمية.

التحليلات المضللة وقت الأزمات وصفت الحروب الأهلية الطاحنة التي نهشت بأنيابها انسجة المجتمعات الشرقية بأنها مؤامرة غربية ضد العرب، رغم مباركة أطراف عربية بارزة تلك الحروب وسعت لتحقيقها بدفع مبالغ طائلة، واعتبرت التحليلات السياسية ان ظهور جماعات ارهابية مسلحة مثل جبهة النصرة وداعش مؤامرة امريكية صهيونية؛ لتخريب المنطقة ، وإن كنت ضد المزاعم الأمريكية وسعيها للسيطرة على الشرق الأوسط، فضلا عن دورها في تمويل الحركات الارهابية لتحقيق مصالح خاصة، لكن هذا لا يبرر او ينفي النزعات الإرهابية لبعض الفصائل من مواطني تلك الدول، واستعدادهم لاستخدامهم حركات إرهابية مسلحة في يد مراكز القوة الدولية لتفتيت المنطقة، ومع ذلك تلقي التحليلات السياسية المسؤولية برمتها لنظرية المؤامرة الغربية، وكأن ما يحدث في العالم من اوبئة وتغيرات كونية وازمات سياسية يخضع لفكرة المؤامرة.

حتى ثورات الربيع العربي اواخر عام 2010، التي اندلعت نتيجة الفساد والتضييق السياسي والأمني، وازدياد الفجوة الطبقية في المجتمعات العربية، تم تفسيرها على انها مجرد مؤامرة غربية؛ لتفتيت المنطقة والسيطرة عليها سياسيا. ورغم من نجاح تلك الثورات، التي تمكنت من إسقاط خمسة انظمة احتكارية بدءا من تونس ثم مصر مرورا بليبيا واليمن انتهاء بالسودان واستمرار الحركات الثورية الاخرى في بعض الدول العربية، مثل سوريا، واحتفاء شعوب تلك الدول بالتغيير الثوري، إلا ان اجراءات تشكيل حكومات انتقالية، وتأسيس أنظمة سياسية جديدة أحاطها الكثير من علامات الاستفهام، بصراعات الفصائل السياسية المتناحرة، كاشفة عن الطمع السياسي في الحكم وليس الرغبة في التغيير الذي قامت أجله تلك الثورات، لتبرر التحليلات السياسية وقتها فشل التوافق السياسي وانتشار العنف، وظهور الحركات المسلحة بأنه مؤامرة غربية وأن ما حدث كان خريف عربي.

فلماذا يميل المحللون السياسيون إلى توظيف نظرية المؤامرة في الحديث عن ازمات سياسية او قضايا اقتصادية وصولا للأوبئة العالمية؟

رغم انها مجرد اتهامات لدول لا ترتقي لدرجة دليل ربما تكون الرغبة في التضليل، ومحاولة إلهاء الجمهور عن الحقائق المسببة للأزمة، ناهيك عن اغراض سياسية يسعى صاحب الرؤية التحليلية لتحقيقها بالمزايدة على البعض، أو تمرير أجندات سياسية لصالح دولة ضد أخرى. وربما يميل المجتمع ايضا لتصديق التحليلات التي تميل للطابع التشكيك لتشفي رغبته في البحث عن مسببات الأزمة او الحدث دون معاناة في البحث عن حقائق غير متوفرة حتى اصبح المجتمع اسير نظريات المؤامرة.

بالتحليلات السياسية للقضايا العامة يمكن تفسيرها بأنها مؤامرة على العقل البشري ، ومحاولة للسيطرة عليه، بتلقينه احتمالات وتفسيرات وكأنها حقائق يجب التسليم بها دون استاندات علمية او منطقية تبرر اسباب الرؤية التحليلية لأصحابها.

نحن شعوب تعادي نظرية المؤامرة وتوظف نفس النظرية في تحليل الأمور السياسية والقضايا المجتمعية.