مقال رأي

سُبل أُخرى للعدالة, لماذا لا تحاكم النمسا مجرمي الحرب في سوريا؟

كتبت للنمسا نت علا خطاب.

بدأت في مدينة كوبلنز الألمانية يوم الخميس ٢٣ ابريل/نيسان الشهر الماضي محاكمة اثنين من رجال الاستخبارات السورية سابقا، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من بينها التعذيب والاعتداء الجنسي والاغتصاب في أول محاكمة من نوعها لعناصر تنتمي للحكومة السورية.

وكان هذا ثمرة الجهود المبذولة من قبل المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية وبالشراكة مع عدد من المنظمات السورية والأوروبية لمتابعة وملاحقة مجرمي الحرب في سوريا في الدول الأوروبية التي تأخذ قوانينها وتشريعاتها ومحاكمها بمبدأ الصلاحية العالمية

فماذا تعني الولاية القضائية العالمية ؟
يعد مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي آلية ردعية مباشرة من آليات التعاون الجنائي الدولي الفعالة لإنفاذ قواعد القانون الدولي وهو يرتكز على الدفاع عن المصالح والقيم ذات البعد العالمي، إذ على أساسه يمكن للمحاكم الوطنية في دول أجنبية متابعة ومعاقبة ومحاكمة مرتكبي أنواع معينه من الجرائم التي تتصف بالجسامة والخطورة وتهدد كيان المجتمع الدولي (كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية) دون إيلاء أي اعتبار لجنسية مرتكبي هذه الجريمة أو جنسية ضحاياها أو مكان ارتكابها. والهدف منه ضمان تقديم المسئولين عن ارتكاب هذه الجرائم للعدالة إذا تعذّر ملاحقتهم ومحاكمتهم أمام القضاء الوطني أو إذا افتقر هذا القضاء لمعايير النزاهة والعدالة أو في حال تكون المحاكم الدولية مفتقـرة إلى الولايـة القــضائية أو الوســائل العمليــة لمقاضــاة الجنــاة فبذلك يكون الاختصاص العالمي ملاذاً أخيراً يمكن اللجوء إليه للحد من إفلات المجرمين من العقاب واحقاق العدالة .

 

محاكمة عناصر الأسد في أوروبا

Bild: AFB

متى ينعقد الاختصاص العالمي؟
ينعقد الاختصاص العالمي عندما تجعل الدول تشريعاتها المحلية متوافقة مع هذا الالتزام الدولي بحيث تقوم بإدماج الاختصاص الجنائي العالمي في تشريعاتها الجنائية وقواعد الإجراءات الوطنية بالإضافة إلى أن بعض التشريعات تلزم وجود المتهم على أراضيها وتشريعات أخرى تكتفي بوجود الضحايا.

وفي هذا الإطار لم تكن ألمانيا وحدها من فتحت باب التحقيقات والمحاكمات ضمن هذا الاختصاص فهناك العديد من الدول كيفت قوانينها بما بتناسب مع القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان ومنها السويد والنرويج وفرنسا وهنا نذكر أن النمسا تبذل جهوداً ايضاً وتفتح باب عدالتها لمتابعة مجرمي الحرب في سوريا سيما وأن عدد كبير من الضحايا يقيمون على إقليمها . ففي أيار ٢٠١٨ قام المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية بالتعاون مع عدة منظمات منها المركز الدولي لتطبيق حقوق الإنسان في فيينا برفع دعوى في النمسا عن ١٦ ناجي وناجية سوريين/سوريات تعرضوا/ن للتعذيب الممنهج في سوريا وذلك ضد ٢٤ شخصية من المستوى العالمي من ضباط الأمن في الحكومة السورية وكان الاتهام موجهاً ضد هذه الشخصيات لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية من اعتقال تعسفي وتعذيب والقتل بالمعتقلات والإخفاء القسري.

وقد قبل المدعي العام في فيينا الدعوى وبدأ في سيبتمبر ٢٠١٨ بسماع الضحايا والمدعيين واعتُبرت هذه أول خطوة للبدء بالتحقيقات الرسمية فيه.

إلا أنه والى الآن وبعد أكثر من سنة ونصف لم ترد أي معلومات عن قيام القضاء النمساوي بإصدار أي مذكرة توقيف بحق المدعى عليهم على غرار ألمانيا وفرنسا وذلك قد يعود لأسباب كثيرة حيث لا يخفى علينا بطء القضاء الأوروبي بشكل عام في التحقيق في هذه الجرائم لصعوبة إثباتها، بالإضافة إلى افتقار النمسا لوجود مكتب تحقيقات خاص كما في المانيا، أما عن الإرادة السياسية التي ممكن أن تكون غائبة لدى السلطات النمساوية حيث أن للنمسا أسبقية بوضع علاقاتها مع الدول فوق التزاماتها بموجب المعاهدات الدولية وهنا نتذكر حالة المسؤول العراقي عزة الدوري الذي قام بزيارة النمسا بقصد العلاج، إذ رفع حينها أحد أعضاء المجلس المحلي لمدينة فيينا دعوة جنائية ضده لارتكابه جرائم الإبادة الجماعية ضد الأكراد لكن الحكومة النمساوية تركته يغادر البلاد واضعة علاقاتها مع العراق بالدرجة الأولى!

الناجيات/الناجون من التعذيب والاعتقال والموت يأملن/ون هنا بتحقيق شيئ من العدالة ومعظم النشطاء يرون بهذه المحاكمات على رمزيتها بداية انتصار على المجرمين .وهذا يجعلنا نتساءل إلى أي حد يمكن أن يساهم تفعيل تطبيق الاختصاص الجنائي العالمي من طرف المحاكم الوطنية في تحقيق هذا الهدف و مالذي سيحفز الضحايا والدول على اتخاذ هذه الخطوة!

نذكر هنا أن إحدى الضحايا بعد إصدار مذكرة اعتقال جميل حسن قالت للمحامي المسؤول عن هذه الدعوى ”اليوم وصلني حقي“ اذاً العدالة تخلق أثر إيجابي واضح على نفسية الضحايا وحياتهم/نّ ولو كان المجرم بعيداً.