مقال رأي

في اليوم العالمي للتعليم, هل يتلقى أطفالنا معاملة منصفة في المدارس النمساوية؟

تذكر لي سلمى بحرقة كيف دعمت طفلها منذ أن جاءوا إلى هنا ليدخل مدرسة اليجمنازيوم (Gymnasium) إلا أنه اختار لنفسه مجالاً مهنياً. تقول “علمت بعد فترة بأن معلمته هي من أثرت عليه ليختار هذا المسار وواجهته بهذا وقلت له ان معدلاته أكثر من جيدة وانه من الأفضل أن يكمل بمسار تعليمي آخر، لكن جوابه كان صادماً بالنسبة لي (انت افهم من الانسة بهي البلد؟ الانسة بتعرف مصلحتي أكثر)!

الحق في التعليم هو حق تنص عليه صراحة المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، التي تدعو إلى التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي. وتذهب اتفاقية حقوق الطفل إلى أبعد من ذلك فتنصّ على أن يتاح التعليم العالي أمام الجميع.
كما أقر المجتمع الدولي بأهمية وضرورة التعليم، فجاء الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ليدعو الى “ضمان تعليم شامل ومنصف وعالي الجودة لجميع الناس بحلول عام 2030 وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة”.

واحتفاءً بالدور الذي يقوم به التعليم في تحقيق السلام والتنمية قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان يوم 24 كانون الثاني/ يناير يوماً دولياً للتعليم.

وفي هذا اليوم لن نتكلم عن ما يقارب 265 مليون طفل/ة ومراهق/ة في العالم الى الآن لا تتاح لهم/نّ الفرصة للدراسة أو حتى إكمالها، ولا عن 617 مليون طفل/ة ومراهق/ة لا يستطيعون/يستطعن القراءة أو إجراء العمليات الحسابية الأساسية، ولا عن الاثنان مليون طفل/ة سوري/ة في مخيمات اللجوء الغير ملتحقين/ات بالمدارس.

بل سنقول أنه في أوروبا أيضًا ، لا يمكن التسليم بالإنصاف في التعليم!
تملك الحكومات الى جانب سياسة الهجرة واللجوء طائفة واسعة من السياسات المرتبطة بالتعليم تهدف من خلالها لانتفاع الأطفال المهاجرين واللاجئين بالتعليم المدرسي. ونجاح هذه السياسات يعد مؤشراً جيداً على نجاح سياسات الاندماج بشكل عام.

وتعد النمسا من البلدان التي تلتزم بالمعايير الدولية التي تعنى بدمج المهاجرين اقتصادياً واجتماعياً ومدنياً، لكن ما مدى وفاء سياساتها لهذه المعايير! وهل تشجع أولاد المهاجرين واللاجئين تشجيعاً كافياً على تحقيق إنجازات وبلوغ مستويات تضاهي مستويات الأطفال محليي المولد؟

حتى نعرف إن كانت السياسات التعليمية تقوم بالمهمة يجب علينا التأكد أولاً من مدى تلبية المدارس للاحتياجات الخاصة للأطفال المهاجرين واللاجئين ومعلميهم. لأنه من المرعب أن تكون المدرسة كمؤسسة تعليمية تمييزية وموجهة فقط نحو احتياجات طبقات معينة.

ففي حين توفر البلدان الاوروبية للأطفال امكانية الالتحاق بالمدارس، تعد النمسا من الدول القلائل التي تعطي الأطفال اللاجئين والمهاجرين هذا الحق بغض النظر عن مدة الإقامة أو الحصول عليها.

إلا أنه وبالمقابل تعمد العديد من البلدان، ومنهم النمسا إلى فصل التلاميذ ذوي الانجازات العلمية المتدنية، والحاقهم بصفوف أقل صعوبة. وهو ما يعد من أكبر التحديات التي يواجهها التلاميذ اللاجئون والمهاجرون في مجال التعليم.

يأتي فصل التلاميذ المهاجرين/اللاجئين والمحلي المولد على شكل إطالة مدة الدروس التحضيرية على سبيل المثال، والتي تطبق عادة بعد بلوغ الطالب سن معينة (الحد الأقصى لسن التعليم الإلزامي) حيث لا يحق للأطفال الذين يفوق أعمارهم عن ١٥ سنة ولا يعتبرون جاهزين للتعليم الثانوي الالتحاق بالمدارس ويجري تحويلهم الى مسارات دراسية خاصة (على سبيل المثال تعلم اللغة في مدارس VHS)

كما يؤثر التحاق الطلاب اللاجئين والمهاجرين بصفوف أو مدارس كـ (Neue Mittelschule) تتدنى فيها نوعية التعليم تأثرا بالغاً على تقدمهم بالدراسة وتعرضهم للتمييز والتنمر. سيما اذا علمنا أنه يجري أحيانا توجيه التلاميذ اللاجئين بشكل عام والادنى أداءً بشكل خاص بعيداً عن المساقات الاكاديمية وصوب مسارات تقنية أو مهنية في مراحل انتقالية حاسمة (أي عند بلوغهم السن العاشرة) وغالباً يقل اختيار تلاميذ الصف الخامس ذوي الخلفية المرتبطة باللجوء والهجرة مساراً أكاديمياً.

ناهيك عن انعدام المساواة الذي يسببه فرز التلاميذ هذا، فهو يؤدي إلى تعزيز العلاقة بين الخلفية الاجتماعية من جهة ونتائج التلاميذ من جهة ثانية.

طالبة محجبة في المدرسة
طالبة محجبة في المدرسة

حيث أثبتت دراسة أن المهاجرين واللاجئين الملتحقين بالمدارس التي يكون أغلب تلاميذها محليي المولد يكونون بمستوى طموح تعليمي مرتفع!

ونذكر هنا أنه مازال أولياء الأمور وعدد من المدارس يقاومون هذا الفصل بين التلاميذ.

وانتقالاً من النظام التعليمي الى الكادر التدريسي نرى أنه وحسب تجارب عدد كبير من الأهل لأطفال لاجئين/مهاجرين هناك عدة فئات للمعلمين في النمسا. معلمون يظهرون الكراهية الواضحة والبسيطة للأجانب بدون أي أسباب، ومعلمون يضعون التلاميذ في دور الضحية وينصب جهدهم على مساعدتهم لتحريرهم من التقييد والرجعية من وجهة نظرهم. وفئة ثالثة وهم قليلون يؤمنون بالطلاب وقدراتهم ويدعمونهم بكل الوسائل المتاحة.

يشكل المعلمون في معظم الأحيان المورد الوحيد المتاح أمام الطلاب. لذلك إن وجود فريق عمل مدرَّب ومتحمس من المعلمين والمعلمين الاجتماعيين وموظفي الدعم النفسي والمدرسي والمتخصصين التربويين الآخرين يؤدي الى الإدماج الجيد في المدرسة، لأن التنوع المتزايد في الفصول الدراسية يتطلب مهارات جديدة قد لا يمتلكها أي المعلم، من وضع استراتيجيات لازمة للتعامل مع الصفوف المتعددة اللغات، بالإضافة الى معالجة الاجهاد والصدمات المرتبطة باللجوء.

ومن جهة أخرى يساهم وضع برنامج للمعلمين/ات اللاجئين/ات (تعليم مكثف للغة الألمانية وممارسات التدريس داخل القاعات الدراسية) بمد الجسور للوافدين الجدد في المدارس النمساوية ويدعم الجهود المبذولة من قبل الحكومة لإدماج اللاجئين في القوى العاملة ويساهم بتعزيز شعور الانتماء أكثر لدى الطلاب اللاجئين/المهاجرين

توضح تقارير التعليم العالمي لليونسكو الدورية أن المعلمين والعاملين في مجال التعليم هم مفتاح التعليم عالي الجودة والمنصف.

يزود التعليم المتعلمين من جميع الأعمار بالمهارات والقيم التي يحتاجونها ليكونوا مواطنين عالميين مسؤولين. يحترمون حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والاستدامة البيئية.

وهذا يوجب على المسؤولين السياسيين أن يحددوا معايير الجودة الموحدة للتعليم في جميع أنحاء النمسا وأن يوفروا كافة الظروف من اتاحة مدارس شاملة غير انتقائية ومتساوية تقدم فرص تعليمية جيدة للجميع – بغض النظر عن أصلهم – ومنذ البداية، والتي تساهم بدورها بتراجع الفارق في مستويات التحصيل العلمي بين المتعلمين المهاجرين والمحلي المولد وصولاً إلى المساواة بين الجنسين والخروج من دائرة الفقر.

المشاكل لا تختفي في الهواء بتجاهلها، والهجرة واللجوء ليست شيء جديد ولا نوع من المشاكل غير القابلة للحل لهذا علينا نحن والنظام التعليمي أن ندرك هذا.

وللأطفال .. تعلموا أن تعرفوا، تعلموا أن تفعلوا، تعلموا أن تكونوا، وتعلموا أن تعيشوا معاً!

المصادر ( التقرير العالمي لرصد التعليم ) اليونسكو، بقلم: علا خطّاب.